من أحكام الأضحية بقلم: الشيخ محمد بن صالح العثيمين الأصل في الأضحية أنها مشروعة في حق الأحياء، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يضحون عن أنفسهم وأهليهم، وأما ما يظنه بعض العامة من اختصاص الأضحية بالأموات فلا اصل له، والأضحية عن الأموات على ثلاثة أقسام.
الأول: أن يضحي عنهم تبعاً للأحياء مثل أن يضحي الرجل عنه وعن أهل بيته، وينوي بهم الأحياء والأموات، وأصل هذا تضحية النبي صلى الله عليه وسلم عنه وعن أهل بيته وفيهم من قد مات من قبل.
الثاني: أن يضحي عن الأموات بمقتضى وصاياهم تنفيذاً لها وأصل هذا قوله تعالى: {فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}... (البقرة: 181).
الثالث: أن يضحي عن الأموات تبرعاً مستقلين عن الأحياء، فهذه جائزة، وقد نص فقهاء الحنابلة على أن ثوابها يصل إلى الميت وينتفع بها قياساً على الصدقة عنه، ولكن لا نرى أن تخصيص الميت بالأضحية في السنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يضح عن أحمد من أمواته بخصوصه، فلم يضح عن عمه حمزة، وهو من أعز أقاربه عنده، ولا عن أولاده الذين ماتوا في حياته، وهن ثلاث بنات متزوجات وثلاثة أبناء صغار، ولا عن زوجته خديجة وهي من أحب نسائه، ولم يرد عن أصحابه في عهده أن أحداً منهم ضحى عن أحد من أمواته.
* ونرى أيضاً من الخطأ ما يفعله بعض الناس، يضحون عن الميت أول سنة يموت أضحية يسمونها (أضحية الحفرة)، ويعتقدون أنه لا يجوز أن يشرك معه في ثوابها أحد، أو يضحون عن أمواتهم تبرعاً أو بمقتضى وصاياهم، ولا يضحون عن أنفسهم وأهليهم، ولو علموا أن الرجل إذا ضحى من ماله عن نفسه وأهله شمل أهله الأحياء والأموات لما عدلوا عنه إلى عملهم ذلك.
فيما يجتنبه من أراد الأضحية
إذا أراد أحد أن يضحي ودخل شهر ذي الحجة إما برؤية هلاله أو إكمال ذي القعدة ثلاثين يوماً فإنه يحرم عليه أن يأخذ شيئاً من شعره أو أظفاره أو جلده حتى يذبح أضحيته، لحديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره) [رواه أحمد ومسلم].
وفي لفظ: (فلا يمس من شعره ولا بشره شيئاً حتى يضحي) وإذا نوى الأضحية أثناء العشر أمسك عن ذلك في حين نيته، ولا إثم عليه فيما أخذه قبل النية.
* والحكمة في هذا النهي أن المضحي لما شارك الحاج في بعض أعمال النسك وهو التقرب إلى الله تعالى بذبح القربان شاركه في بعض خصائص الإحرام من الإمساك عن الشعر ونحوه، وعلى هذا فيجوز لأهل المضحي أن يأخذوا في أيام العشر من شعورهم وأظفارهم وأبشارهم.
* وهذا الحكم خاص بمن يضحي، أما المضحى عنه فلا يتعلق به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وأراد أحدكم أن يضحي..) ولم يقل: أو يضحى عنه؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي عن أهل بيته، ولم يُنْقل عنه أنه أمرهم بالإمساك عن ذلك.
* وإذا أخذ من يريد الأضحية شيئاً من شعره أو ظفره، أو بشرته فعليه أن يتوب إلى الله تعالى ولا يعود، ولا كفارة عليه، ولا يمنعه ذلك من الأضحية كما يظن بعض العوام.
* وإذا أخذ شيئاً من ذلك ناسياً أو جاهلاً أو سقط الشعر بلا قصد فلا إثم عليه، وإن احتاج إلى أخذه فليأخذه ولا شيء عليه، مثل أن ينكسر ظفره فيؤذيه فيقصه، أو ينزل الشعر في عينيه فيزيله، أو يحتاج إلى قصه لمداواة جرح ونحوه.
أحكام وآداب عيد الأضحى المبارك
أخي المسلم: الخير كل الخير في اتباع هدى الرسول صلى الله عليه وسلم في كل أمور حياتنا، والشر كل الشر في مخالفة هدى نبينا صلى الله عليه وسلم، لذا أحببنا أن نذكرك ببعض الأمور التي يستحب فعلها أو قولها في ليلة عيد الأضحى المبارك ويوم النحر وأيام التشريق الثلاثة، وقد أوجزناها لك في نقاط هي.
* التكبير: يشرع التكبير من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق وهو الثالث عشر من شهر ذي الحجة، قال تعالى: {واذكروا الله في أيام معدودات}. وصفته أن تقول: (الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد) ويسن جهر الرجال به في المساجد والأسواق والبيوت وأدبار الصلوات، إعلاناً بتعظيم الله وإظهاراً لعبادته وشكره.
* ذبح الأضحية: ويكون ذلك بعد صلاة العيد لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى، ومن لم يذبح فليذبح) "رواه البخاري ومسلم".
ووقت الذبح أربعة ايام، يوم النحر وثلاثة أيام التشريق، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كل ايام التشريق ذبح). "انظر السلسلة الصحيحة برقم 2476".
*الاغتسال والتطيب للرجال، ولبس أحسن الثياب بدون إسراف ولا إسبال ولا حلق لحية فهذا حرام، أما المرأة فيشرع لها الخروج إلى مصلى العيد بدون تبرج ولا تطيب، فلا يصح أن تذهب لطاعة الله والصلاة ثم تعصي الله بالتبرج والسفور والتطيب أمام الرجال.
*الأكل من الأضحية: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يطعم حتى يرجع من المصلى فيأكل من أضحيته "زاد المعاد 1/441".
* الذهاب إلى مصلى العيد ماشياً عن تيسر.
* والسنة والصلاة في مصلى العيد إلا إذا كان هناك عذر من مطر مثلاً فيصلى في المسجد لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم.
*الصلاة مع المسلمين واستحباب حضور الخطبة والذي رجحه المحققون من العلماء مثل شيخ الإسلام ابن تيمية أن صلاة العيد واجبة؛ لقوله تعالى: {فصل لربك وأنحر} ولا تسقط إلا بعذر، والنساء يشهدن العيد مع المسلمين حتى الحيض والعواتق، ويعتزل الحيض المصلى.
* مخالفة الطريق: يستحب لك أن تذهب إلى مصلى العيد من طريق وترجعه من طريق آخر لفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
*التهنئة بالعيد: لثبوت ذلك عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
واحذر أخي المسلم من الوقوع في بعض الأخطاء التي يقع فيها كثير من الناس والتي منها:
* التكبير الجماعي بصوت واحد، أو الترديد خلف شخص يقول التكبير.
* اللهو أيام العيد بالمحرمات كسماع الأغاني، ومشاهدة الأفلام، واختلاط الرجال بالنساء اللاتي لَسْنَ من المحارم، وغير ذلك من المنكرات.
* أخذ شيء من الشعر أو تقليم الأظافر قبل أن يضحي من أراد الأضحية لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
* الإسراف والتبذير بما لا طائل تحته، ولا مصلحة فيه، ولا فائدة منه لقول الله تعالى: {ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين}... (الأنعام: 141).
وختاماً لا تنس أخي المسلم أن تحرص على أعمال البر والخير من صلة الرحم، وزيارة الأقارب، وترك التباغض والحسد والكراهية، وتطهير القلب منها، والعطف على المساكين والفقراء والأيتام ومساعدتهم وإدخال السرور عليهم.
نسأل الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وان يفقهنا في ديننا، وأن يجعلنا ممن عمل في هذه الأيام – أيام عشر ذي الحجة – عملاً صالحاً خالصاً لوجهه الكريم.
الهدى في الأضحية بقلم: د. السيد العربى بن كمال الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى.......وبعد:
تعريفهــــــــا:
أُضْحِيَّة: فيها أربعُ لُغَات: أُضْحِيَّة، وإضْحِيَّة، والجمع أَضاحِيُّ، وضَحِيَّةٌ، والجمع ضَحايَا. وأضْحَاة، والجمعُ أَضْحَي...وأصله من ضحا: والضَّحْوُ والضَّحْوَةُ والضَّحِيَّةُ: ارْتِفاعُ النهار وهو عند ارتِفاعِ النهار الأَعلى.. وضَحْوةُ النهار بعد طلوع الشمس ثم بعده الضُّحا وهي حين تُشْرق الشمس وأَضْحى يفعلُ ذلك أَي صار فاعِلاً له وقتِ الضُّحى..
وضَحَّى بالشاةِ: ذَبَحها ضُحى النَّحْر، هذا هو الأَصل، وقد تُسْتَعمَل التَّضْحِيةُ في جميع أَوقات أَيام النَّحْر. وضَحَّى بشاةٍ من الأُضْحِيةِ وهي شاةٌ تُذْبَحُ يوم الأَضْحى. والضَّحيَّة: ما ضَحِّيْت به، وهي الأَضْحاةُ، وجمعها أَضْحى يذكَّر ويؤَنَّث..
والأضحية - بضم الهمزة، وكسرها، كأنها اشتقت من اسم الوقت الذي شرع ذبحها فيه، وبها سمي اليوم يوم الأضحى، وهي فى الشرع اسم لما يذبح أو ينحر من النعم تقرباً إلى اللّه تعالى في أيام النحر، سواء كان المكلف بها قائماً بأعمال الحج أو لا.
فضلها وما جاء فى الحث عليها:
* فى الحديث عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ النَّحْرِ عَمَلًا أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ هِرَاقَةِ دَمٍ وَإِنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَظْلَافِهَا وَأَشْعَارِهَا وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا... [ رواه ابن ماجه والترمذي].
* وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الْأَضَاحِيُّ قَالَ سُنَّةُ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ قَالُوا فَمَا لَنَا فِيهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ بِكُلِّ شَعَرَةٍ حَسَنَةٌ قَالُوا فَالصُّوفُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ بِكُلِّ شَعَرَةٍ مِنْ الصُّوفِ حَسَنَةٌ... [رواه أحمد والترمذى وابن ماجه].
* و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا... [رواه أحمد وابن ماجه و صححه الحاكم.. وفى صحيح الجامع برقم:6490].
* وعن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ما أنفقت الورق في شئ أفضل من نحيره في يوم عيد.... [رواه الدار قطني].
* قال الشوكانى فى النيل: وهذه الأحاديث وما فى معناها تدل على مشروعية الضحية ولا خلاف في ذلك، وأنها أحب الأعمال إلى اللّه يوم النحر وأنها تأتي يوم القيامة على الصفة التي ذبحت عليها ويقع دمها بمكان من القبول قبل أن يقع على الأرض وانها سنة إبراهيم لقوله تعالى: {وفديناه بذبح عظيم} وأن للمضحي بكل شعرة من شعرات أضحيته حسنة.
وأنه يكره لمن كان ذا سعة تركها، وأن الدراهم لم تنفق في عمل صالح افضل من الأضحية وهذا إذا وقعت لقصد التسنن وتجردت عن المقاصد الفاسدة وكانت على الوجه المطابق للحكمة في شرعها.
حكمهـــــــا:
إختلف أهل العلم هل هى واجبة أم لا: فالجمهور على أنها غير واجبة قال النووي: وممن قال بهذا أبو بكر وعمر وبلال وأبو مسعود البدري وسعيد بن المسيب وعلقمة والأسود وعطاء ومالك وأحمد وأبو يوسف وإسحاق وأبو ثور والمزني وابن المنذر وداود وغيرهم انتهى.... قال ابن حزم لا يصح على أحد من الصحابة أنها واجبة وصح أنها غير واجبة عن الجمهور ولا خلاف في كونها من شرائع الدين.
وفى الترمذى عن جَبَلَة بنِ سُحَيْمٍ: أنّ رجلاً سأل ابنَ عمرَ عن الأضحيةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ؟ فقال: (ضَحّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والمسلمونَ. فأعادَها عليه فقال: أتَعْقِلُ، ضَحّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والمسلمونَ).
وأستدل هؤلاء بأدلة منها:
*ما جاء عن جابر قال (صليت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عيد الأضحى فلما انصرف اتى بكبش فذبحه فقال بسم اللّه واللّه أكبر اللّهم هذا عني وعمن لم يضحي من أمتي)...[ رواه أحمد وأبو داود والترمذي].
* وعن علي بن الحسين عن أبي رافع (إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أو قرنين أو ملحين فإذا صلى وخطب الناس أتى باحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بنفسه بالمدية ثم بقول اللّهم هذا عن أمتي جميعا من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ ثم يؤتى بالأخر فيذبحه بنفسه ويقول هذا عن محمد وآل محمد فيطعمهما جميعا المساكين ويأكل هو وأهله منهما فمكثنا سنين ليس لرجل من بني هاشم يضحي قد كفاه اللّه المؤنة برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم والغرم)....[ رواه أحمد وسكت عنه الحافظ في التلخيص وأخرجه أيضا الطبراني في الكبير والبزار قال في مجمع الزوائد وإسناد أحمد والبزار حسن. وأخرج نحوه أحمد أيضا وابن ماجه والحاكم والبيهقي من حديث أبو هريرة ... وأصله متفق عليه].
*وقد أخرج مسلم من حديث انس أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم (كان يقول اللّهم تقبل من محمد وآل محمد وعن أمة محمد).
* وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا دَخَلَتْ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا.... [ مسلم كتاب الأضاحى] وقالوا قوله (لمن أراد) تدل على التخيير ولا يكون ذلك فى واجب.
* واستدلوا أيضا بما أخرجه البيهقي عن أبي بكر وعمر أنهما كانا لا يضحيان كراهة أن يظن من رآهما أنها واجبة.
* وعن ابن مسعود وابن عباس والشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال ربيعة والأوزاعي وأبو حنيفة والليث وبعض المالكية أنها واجبة على الموسر وحكاه في البحر عن مالك وقال النخعي واجبة على الموسر إلا الحاج بمنى وقال محمد بن الحسن واجب على المقيم بالأمصار والمشهور عن أبي حنيفة أنه قال إنما نوجبها على مقيم يملك نصابا.
وأستدل القائلون بالوجوب:
* بحديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا... وقالوا انه لما نهى من كان ذا سعة عن قربان المصلى إذا لم يضح دل على أنه قد ترك واجبا فكأنه لا فائدة في التقرب مع ترك هذا الواجب قال في الفتح وليس صريحا في الإيجاب.
* واستدلوا أيضا بحديث مخنث بن سليم أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال بعرفات (يا أيها الناس على أهل كل بيت أضحية في كل عام وعتيرة) أخرجه أبو داود وأحمد وابن ماجه والترمذي وحسنه.... وأجيب عنه بأنه منسوخ لقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم (لا فرع ولا عتيرة) ولا يخفى أن نسخ العتيرة على فرض صحته لا يستلزم نسخ الأضحية.
* واستدلوا أيضا بقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم (من كان ذبح قبل أن يصلي فليذح مكانها أخرى ومن لم يكن ذبح حتى صلينا فليذبح باسم اللّه) وهو متفق عليه من حديث جندب بن سفيان البجلي.
وبما روى من حديث جابر (أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال من كان ذبح قبل الصلاة فليعد)... والأمر ظاهر في الوجوب .. ولعل حديث أم سلمة يصلح للصرف لقوله (وأراد أحدكم أن يضحي) لأن التفويض إلى الأرادة يشعر بعدم الوجوب.
* وعلى كل حال فالأضحية من الأمور العظيمة فى دين الله ولعل من يوجبها على الموسر لكلامه وجه خاصة مع قوله صلى الله عليه وسلم (مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا)... ولا يخفى ما فيها من الخير وما وراءها من الأجر فليحذر من قدر عليها ولم يفعلها...وليحرص كل تقى على ما وراءها من الأخر والثواب والمغفرة. والله المستعان.
مما تتخذ الضحية:
* الضحية تتخذ من بهيمة الأنعام التى ذكرت فى القرآن، من الأبل والبقر والغنم والماعز ذكرها وأنثاها بشروط فى الوصف والسن، وأختلفوا فى أفضلها فى هذه الأنعام:
* فى الحديث عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ.... [.م..ك..الأضاحى]
* وفى الحديث عن مجاشع ابن مسعود: (إن الجذع من الضأن يوفي مما يوفي منه الثني من المعز)... [ أخرجه ابو داود والنسائى والبيهقى وهو فى صحيح الجامع برقم:1596] .
قال أهل العلم:
*وهذا وغيره فيه الدليل على ان التضحية بالضأن أفضل وبه قال مالك وعلل ذلك بأنها أطيب لحما.
وذهب الجمهور إلى أفضل الانواع للمنفرد البدنة ثم البقرة ثم الضأن ثم المعز واحتجوا بأن البدنة تجزئ عن سبعة والبقرة تجزئ عن سبعة، وأما الشاة فلا تجزئ إلا واحد بالاتفاق وما كان يجزئ عن الجماعة إذا ضحى به الواحد كان ما يجزئ عن الواحد فقط هكذا حكى النووي الاتفاق على أن الشاة لا تجزئ إلا عن واحد... وحكى الترمذي في سننه عن بعض أهل العلم أنها تجزئ الشاة عن أهل البيت وقال وهو قول أحمد وإسحاق... وهذا هو الصحيح كما تجزء البدنة والبقرة عن سبعة على الأكثر.
قال العلماء:
ويصح الاشتراك في الأضحية سواء كان ذلك في ثمنها أو في ثوابها. وإنما يصح الاشتراك فيها إذا كانت من الإبل أو البقر، فإذا اشترك سبعة في بقرة أو ناقة يصح إذا كان نصيب كل واحد منهم لا يقل عن سبع، فإن كانوا أكثر من سبعة لا يصح، أما إن كانوا أقل فيصح وفى الحديث:" عن جابر بن عبد الله رضي الله عَنْهما قالَ: (نحرْنا معَ رسولِ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم عامَ الحديبيةِ البَدَنَةَ عن سبعة والبقرَةَ عنْ سبْعةٍ)... رواهُ مُسلمٌ.
قال النووي: سواء كانوا مجتمعين أو متفرقين مفترضين أو متطوّعين، أو بعضهم متقرّباً وبعضهم طالب لحم، وبه قال أحمد، ولا تصح الأضحية بغير النعم من الإبل والبقر والجاموس والغنم،وتجزئ الشاة عن الرجل وعن أهل بيته لفعله صلى الله عليه وآله وسلم ولما أخرجه مالك في الموطأ من حديث أبي أيوب الأنصاري قال: (كنا نضحي بالشاة الواحدة يذبحها الرجل عنه وعن أهل بيته ثم تباهى الناس بعد).
قال ابن رشد فى بداية المجتهد: أجمع العلماء على جواز الضحايا من جميع بهيمة الأنعام،لقوله تعالى: {ليذكروا اسم اللّه على مار زقهم من بهيمة الأنعام}... (الحج 34).
وللأضحية شروط لصحتها أي لا تصح الا بها فمنها:
*ما يتعلق بالسلامة من العيوب:
فى الحديث عنِ البراءِ بن عازبٍ رضي اللّهُ عنهُ قالَ: قام فينا رسولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم فقال: (أَرْبعٌ لا تجوزُ في الضَّحايا: العوراءُ الْبَيِّنُ عَوَرُها، والمريضةُ البيِّنُ مرضُها، والعرجاءُ البيِّنُ ظَلَعُها، والكبيرةُ التي لا تُنْقي) رَوَاهُ أَحمد والأربعةُ وصحّحهُ الترمذي وابن حِبّان....
لا تنقى بضم الفوقية واسكان النون وكسر القاف أي التي لا نِقْي لها بكسر النون واسكان القاف وهو المخ.... قال النووي وأجمعوا على ان العيوب الأربعة المذكورة في حديث البراء وهي المرض العجف والعور والعرج البينات لا تجزئ التضحية وكذا ما كان في معناها أو أقبح منها كالعمى وقطع الرجل وشبهه انتهى.
وعن علي عليه السلام قال "نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يضحي باعضب القرن والأذن قال قتادة فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب فقال العضب النصف فأكثر من ذلك"...وأعضب القرن المنهى عنه هو الذي كسر قرنه أوعضب من أصله حتى يرى الدماغ لا دون ذلك فيكره فقط.
وعن يَزِيدُ ذُو مِصْرَ قَالَ أَتَيْتُ عُتْبَةَ بْنَ عَبْدٍ السُّلَمِيَّ فَقُلْتُ يَا أَبَا الْوَلِيدِ إِنِّي خَرَجْتُ أَلْتَمِسُ الضَّحَايَا فَلَمْ أَجِدْ شَيْئًا يُعْجِبُنِي غَيْرَ ثَرْمَاءَ.... (والثرماء:الساقط بعض أسنانها).
فَكَرِهْتُهَا فَمَا تَقُولُ قَالَ أَفَلَا جِئْتَنِي بِهَا قُلْتُ سُبْحَانَ اللَّهِ تَجُوزُ عَنْكَ وَلَا تَجُوزُ عَنِّي قَالَ نَعَمْ إِنَّكَ تَشُكُّ وَلَا أَشُكُّ إِنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُصْفَرَّةِ وَالْمُسْتَأْصَلَةِ وَالْبَخْقَاءِ وَالْمُشَيَّعَةِ وَكِسَرَا وَالْمُصْفَرَّةُ الَّتِي تُسْتَأْصَلُ أُذُنُهَا حَتَّى يَبْدُوَ سِمَاخُهَا وَالْمُسْتَأْصَلَةُ الَّتِي اسْتُؤْصِلَ قَرْنُهَا مِنْ أَصْلِهِ وَالْبَخْقَاءُ الَّتِي تُبْخَقُ عَيْنُهَا وَالْمُشَيَّعَةُ الَّتِي لَا تَتْبَعُ الْغَنَمَ عَجَفًا وَضَعْفًا وَالْكَسْرَاءُ الْكَسِيرَةُ.[ رواه أحمد وأبو داود والبخاري في تاريخه..وأخرجه أيضا الحاكم وسكت عنه أبو داود والمنذري]....
(والبخقاء) قال في النهاية البخق أن يذهب البصر وتبقى العين قائمة وهوأقبح العور وأكثره غمصا... والمشيعة في الأضاحي: أي التي تحتاج إلى من يشيعها أي يُتْبعها الغنم لعجزها عن ذلك بنفسها.
* قال أهل العلم لا تصح إذا كان فيها عيب من العيوب، والعيوب مثل:
لا تصح بالعمياء، ولا بالعوراء، ولا بالعرجاء التي لا تستطيع المشي، وكذا لا تصح بمقطوعة الأذن من أصلها . أو مقطوعة إذا ذهب أكثر من ثلثها.
لا تصح الأضحية بمقطوعة رؤوس الضرع، ولا بالجلالة، وهي التي ترعى وغالب طعامها غير الطاهر، ولا تصح بمقطوعة جزء من أجزائها: كيد، أو رجل، سواء كان القطع خلقياً أو لا، وسواء كان الجزء أصلياً، أو زائداً: ولكن يغتفر قطع خصية الحيوان، فتصح بالخصي، لأن فيه فائدة تعود على اللحم، ولا فرق بين أن يكون خصياً بالخلقة أو لا، وتصح بالجماء التي لا قرون لها خلقة، وتصح بمكسورة القرن وإن كان الأقرن أفضل، وكذا تصح بالتولاء وهي المجنونة إذا لم يمنعها الجنون عن الرعي فإن منعها لا تجوز التضحية بها. وتصح بالجرباء إن كانت سمينة. فإذا هزلت بالجرب فلا تصح.
ولا تصح بالمريضة التي تستطيع أن تتصرف كتصرف السليمة؛ أما إذا كان المرض خفيفاً فإنه لا يضر، والحامل كغيرها في الأحكام.
* ومنها ما يتعلق بالسن (العمر):
فى الحديث نْ جابر رضي اللّهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللّهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: (لا تذبحُوا إلا مُسِنّةً إلا أن يَعْسر عليكم فَتَذْبحوا جَذَعةً منَ الضَّأنِ) رواهُ مُسلمٌ.
قال أهل العلم لا تصح الأضحية بالصغير: وتصح بالجذع من الضأن، وهو ما له ستة أشهر،وقيل ثمان وقيل غير ذلك، ويعرف كونه أجذع بنوم الصوف على ظهره، وقد ذهب كثيرون إلى إجزاء الجذع من الضأن مطلقاً وحملوا الحديث على الاستحباب بقرينة حديث أم بلال أنه قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: (ضحوا بالجذع من الضأن) أخرجه أحمد وابن جرير والبيهقي،: وتصح بالثني مما سواه، فثنى المعز ما له سنة كاملة، وثني البقر ما له سنتان كاملتان، وثني الإبل ما له خمس سنين؛ ودخل في السادسة، ولا تصح بما دون ذلك. والمعتبر السنة القمرية.
* وفى الحديث عن الْبَرَاءِ بنِ عَازِبٍ قال: (ضَحّى خَالٌ لِي يُقَالُ لَهُ أبُو بُرْدَةَ قَبْلَ الصّلاَةِ، فقالَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍ، فقال: يَا رَسُولَ الله إنّ عِنْدِي دَاجِنٌ جَذَعَةٌ مِنَ المَعِزِ، فقال: اذْبَحْهَا وَلا تَصْلُحُ لِغَيْرِكَ).
*قال الحافظ شمس الدين بن القيم: فإن قوله لأحد هؤلاء (ولن تجزئ عن أحد بعدك) ولا رخصة فيها لأحد بعدك ينفي تعدد الرخصة.
* ومن الشروط ما يتعلق بوقت ذبحها:
وهو الوقت المخصوص، فلا تصح إذا فعلت قبله أو بعده، وهو يوم العيد، ويستمر إلى قبيل غروب اليوم الثالث، وهذا الوقت لا يختلف في ذاته بالنسبة لمن يضحي، ولكن يشترط في صحتها أن يكون الذبح بعد صلاة العيد، ولو قبل الخطبة، إلا أن الأفضل تأخيره إلى ما بعد الخطبة، فإذا ذبح قبل صلاة العيد لا تصح أضحيته ؛ ويأكلها لحماً فإذا عطلت صلاة العيد ينتظر بها حتى يمضي وقت الصلاة. ووقتها من ارتفاع الشمس إلى الزوال.
ثم يذبح بعد ذلك، لقوله تعالى: {فصل لربك وأنحر}، وفى الحديث عن البراء بن عازب رضي اللّه عنه، قال: خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم النحر بعد الصلاة، فقال (من صلى صلاتنا، ونسك نسكنا، فقد أصاب النسك، ومن نسك قبل الصلاة فتلك شاة من لحم) البخارى.
وفى الحديث (من ضحى قبل الصلاة فإنما ذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه، وأصاب سنة المسلمين) [متفق عليه]، ولابد وأن يكون الذابح مسلما.
*مندوبات الأضحية:
يندب إبراز الضحية للمصَلي، وأن يقول: اللّهم هذا منك وإليك. فتقبل مني، ويندب أن يكون سميناً، ويندب أن يكون ذكراً ذا قرنين أبيض، وندب أن يكون فحلاً إن لم يكن المخصي أسمن؛ ويندب أن يكون ضأناً، ثم معزاً، إلى آخره، ويندب لمن يريد التضحية أن يترك الحلق وقلم الظفر في عشر ذي الحجة إلى أن يضحي لما أخرجه مسلم من حديث أم سلمة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشرته شيئاً).
ويندب أن يذبح الأضحية بيده أو يحضر ذبحها ندباً، ويندب للوارث أن ينفذ أضحية مورثه إن عينها قبل موته ما لم تكن نذراً، والنذر لا يأكل منه بل يتصدق به كله، وإلا وجب تنفيذ الوصية، ويندب أن يجمع بين الأكل منها والتصدق والإهداء وذلك على الاستحباب لا الوجوب وظن كثير من الناس أن ذلك واجب بالشهرة والعادة وليس كذلك؛ والأفضل أن يتصدق بالثلث ويدخر الثلث، ويتخذ الثلث لأقربائه وأصدقائه، ويستحب أن يتصدق بأفضلها وأن يهدي الوسط ويأكل الأقل.
وفى الحديث عند أبى داود عن ثَوْبَانَ قال: (ضَحّى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ثُمّ قال: يَاثَوْبَانُ أصْلِحْ لَنَا لَحْمَ هَذِهِ الشّاةِ. قال: فَمَا زِلْتُ أُطْعِمُهُ مِنْهَا حَتّى قَدِمْنَا المَدِينَةَ).
قال الصنعانى فى سبل السلام: يستحب للمضحي أن يتصدق وأن يأكل، واستحب كثير من العلماء أن يقسمها أثلاثاً، ثلثاً للادخار وثلثاً للصدقة وثلثاً للأكل لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (كلوا وتصدّقوا وادّخروا) أخرجه الترمذي بلفظ (كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث ليتسع ذو الطول على من لا طول له فكلوا ما بدا لكم وتصدّقوا وادخروا) ولعل الظاهرية توجب التجزئة.
*وروي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى أن تؤكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث. قال سالم: فكان ابن عمر لا يأكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث. وروى أبو داود عن نبيشة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنا كنا نهيناكم عن لحومها فوق ثلاث لكي تسعكم جاء الله بالسعة فكلوا وادخروا واتجروا إلا أن هذه الأيام أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل).
وقال الشافعي: من قال بالنهي عن الادخار بعد ثلاث لم يسمع الرخصة. ومن قال بالرخصة مطلقا لم يسمع النهي عن الادخار. ومن قال بالنهي والرخصة سمعهما جميعا فعمل بمقتضاهما. والله أعلم.
ولذلك لو أخذ الكل لنفسه جاز، لأن القربة تحصل بإراقة الدم. هذا إذا لم تكن منذورة، وإلا فلا يحل الأكل منها مطلقاً، بل يتصدق بها جميعهاً ، ويكره أن يعطي الجزار أجره منها بل إن شاء أن يعطيه منها فله ذلك على سبيل الصدقة أو الهدية وفى الحديث: عَنْ عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عَنْهُ قالَ: (أَمرني رَسُولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أَنْ أَقومَ على بُدْنِهِ، وأَن أَقْسِمَ لحومَها وجُلُودَها وجلالهَا على المساكين، ولا أُعْطي في جزارتها شيئاً منْها) [متفقٌ عليْه].
ويسن أن تكون الإبل عند النحر قائمة معقولة رجلها اليسرى، والغنم والبقر مضجعة على جنبها الأيسر؛ وأن يحد المدية، ويكره أن يحدها والذبيحة تنظر إليه كما يكره أن يذبح واحدة، والأخرى تنظر.
أمور لابد أن تحذر:
لابد من الإخلاص والحذر من الرياء:
قال تعالى: {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين}... (سورة الحج – 37).
المعنى: لن يقبل لحومها ولا دماءها، ولكن يصل إليه التقوى منكم؛ أي ما أريد به وجهه، فذلك الذي يقبله ويرفع إليه ويسمعه ويثيب عليه؛ ومنه الحديث (إنما الأعمال بالنيات). ذكره القرطبى. وقال تعالى: {وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء}.
* أحذر أمر الجاهلية:
قوله تعالى: {وما ذبح على النصب} قال ابن فارس: {النصب} حجر كان ينصب فيعبد وتصب عليه دماء الذبائح، وهو النصب أيضا.
قال مجاهد: هي حجارة كانت حوالي مكة يذبحون عليها. قال ابن جريج: كانت العرب تذبح بمكة وتنضح بالدم ما أقبل من البيت، ويشرحون اللحم ويضعونه على الحجارة؛ فلما جاء الإسلام قال المسلمون للنبي صلى الله عليه وسلم: نحن أحق أن نعظم هذا البيت بهذه الأفعال، فكأنه عليه الصلاة والسلام لم يكره ذلك؛ فأنزل الله تعالى: {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها}... [الحج: 37] ونزلت {وما ذبح على النصب} المعنى: والنية فيها تعظيم النصب لا أن الذبح عليها غير جائز.
ما يجب به الهدي من الأنساك وما صفة الهدي بقلم: الشيخ محمد بن صالح العثيمين سبق في مقال سابق أن الأنساك ثلاثة: التمتع والقِران والإفراد، والذي يجب به الهديُ هو التمتع والقِران.
والمتمتع: هو مَن أحرم بالعمرة في أشهر الحج ثم حَلّ منها وأحرم بالحج في عامِه، فلو أحرم بالعمرة قبل دخول شهر شوال، وبقي في مكة ثم حج في عامه فلا هدي عليه لأنه ليس بمتمتع، حيث كان إحرامه بالعمرة قبل دخول أشهر الحج. ولو أحرم بالعمرة بعد دخول شوال وحج من العام الثاني، فلا هدي عليه أيضاً لأن العمرة في عامٍ والحج في عام آخر.
ولو أحرم بالعمرة في أشهر الحج، وحل منها ثم رجع إلى بلده وعاد منه مُحرماً بالحج وحده لم يكن متمتعاً لأنه أفرد الحج بسفر مستقل.
وأما القِران: فهو أن يُحرم بالعمرة والحج معاً، أو يُحرم بالعمرة أولاً ثم يُدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها كما سبق.
ولا يجب الهدي على المتمتع والقارن إلا بشرط أن لا يكونا من حاضري المسجد الحرام، أي: لا يكونا من سكان مكة أو الحرم، فإن كانوا من سكان مكة أو الحرم فلا هدي عليهم لقوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
ويلزم الهدي أهل جُدّة إذا أحرموا بتمتع أو قِران، لأنهم ليسوا من حاضري المسجد الحرام. ومَن كان مِن سُكان مكة ثم سافر إلى غيرها لطلب علم أو غيره، ثم رجع إليها متمتعاً أو قارناً فلا هدي عليه لأن العبرة بمحل إقامته ومسكنه وهو مكة.
أما إذا كان من أهل مكة ولكن انتقل للسكنى في غيرها ثم رجع إليها متمتعاً أو قارناً فإنه يلزمه الهدي، لأنه حينئذ ليس من حاضري المسجد الحرام.
ومتى عَدِمَ المتمتع والقارن الهدي أو ثمنه بحيث لا يكونُ معه من المال إلا ما يحتاجه لنفقته ورجوعه فإنه يسقط عنه الهدي، ويلزمه الصوم؛ لقوله تعالى: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَـثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَـثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
ويجوز أن يصوم الأيام الثلاثة في أيام التشريق؛ وهي اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة، لقول عائشة وابن عمر رضي الله عنهم: (لم يُرَخّص في أيام التشريق أن يُصمنَ إلا لمن لم يجد الهدي) رواه البخاري.
ويجوز أن يصومها قبل ذلك، بعد الإحرام بالعمرة إذا كان يعرف من نفسه أنه لا يستطيع الهدي، لقول النبي صلى الله عليه وسلّم: (دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة)، فمن صام الثلاثة في العمرة فقد صامها في الحج. لكن لا يصوم هذه الأيام يوم العيد لحديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم (نهى عن صوم يومين: يوم الفطر ويوم النحر) متفق عليه.
ويجوز أن يصوم هذه الثلاثة متوالية ومتفرقة، ولكن لا يؤخرها عن أيام التشريق. وأما السبعة الباقية فيصومها إذا رجع إلى أهله إن شاء متوالية، وإن شاء متفرقة، لأن الله سبحانه أوجبها ولم يشرط أنها متتابعة.
مسائل تتعلق بالهدي
- المسألة الأولى: في بيان نوع الهدي.
- المسألة الثانية: فيما يجبُ أو ينبغي أن يتوافر فيه.
- المسألة الثالثة: في مكان ذبحه.
- المسألة الرابعة: في وقت ذبحه.
- المسألة الخامسة: في كيفية الذبح المشروع.
- المسألة السادسة: في كيفية توزيعه.
فأما نوع الهدي: فهو من الإبل أو البقر أو الغنم الضأن والمعز لقوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الاٌّنْعَـمِ فَإِلَـهُكُمْ إِلَـهٌ وَحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ}.
وبهيمة الأنعام هي الإبل والبقر والغنم. وتجزئ الواحدة من الغنم في الهدي عن شخص واحد. وتجزئ الواحدة من الإبل أو البقر عن سبعة أشخاص لحديث جابر رضي الله عنه قال: (أَمَرَنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن نشتركَ في الإبل والبقر، كلُّ سبعةٍ منا في بَدَنة) متفق عليه.
وأما ما يجبُ أن يتوافر فيه: فيجب أن يتوافر فيه شيئان:
1- بلوغ السن الواجب وهو خمس سنين في الإبل، وسنتان في البقر، وسنة في المعز، وستة أشهر في الضأن، فما دون ذلك لا يُجزىء لقول النبي صلى الله عليه وسلّم: (لا تذبحوا إلا مُسنة إلا أن يَعسر عليكم فتذبحوا جذعةً من الضأن) رواه الجماعةُ إلا البخاري.
2- السلامة من العيوب الأربعة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلّم باتقائها وهي: ـ العوراء البيِّن عورها والعمياء أشد فلا تُجزئ. ـ المريضة البيِّن مرضها بجرب أو غيره. ـ العرجاء البيِّن ضلعها، والزمنى التي لا تمشي، ومقطوعة إحدى القوائم أشدُّ. ـ الهزيلة التي لا مُخَّ فيها.
لما روى مالك في (الموطأ) عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم سُئل: ماذا يُتقى من الضحايا، فأشار بيده وقال: أربعاً، وكان البراء يُشيُر بيده ويقولُ: يدي أقصر من يد رسول الله صلى الله عليه وسلّم، العرجاء البيِّن ضلعها، والعوراء البيِّن عَورها، والمريضة البيِّن مرضها، والعجفاء التي لا تُنقى. فأما العيوب التي دون ذلك كعيب الأذن والقرن فإنها تُكره، ولا تمنع الأجزاء على القولِ الراجح.
وأما ما ينبغي أن يتوافر في الهدي، فينبغي أن يتوافر فيه السمن والقوة وكبر الجسم وجمال المنظر، فكلما كان أطيب فهو أحب إلى الله عز وجل، وإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً. وأما مكان ذبح الهدي: ففي منى، ويجوز في مكة وفي بقية الحرَم، لقول النبي صلى الله عليه وسلّم: (كل فجاج مكة منحرٌ وطريقٌ) رواه أبو داود.
وقال الشافعي رحمه الله: الحرَم كله منحر؛ حيث نحر منه أجزأه في الحج والعمرة. وعلى هذا فإذا كان ذبحُ الهدي بمكة أَفيد وأنفع للفقراء فإنه يذبح في مكة، إما في يوم العيد، أو في الأيام الثلاثة بعده. ومَنْ ذبح الهدي خارج حدود الحرم في عرفة أو غيرها من الحِلِّ لم يُجزِئه على المشهور.
وأما وقت الذبح: فهو يوم العيد إذا مضى قدر فعل الصلاة بعد ارتفاع الشمس قدرَ رُمحٍ إلى آخرِ أيام التشريق، لأن النبي صلى الله عليه وسلّم نحر هديه ضحى يوم العيد، ويُروى عنه صلى الله عليه وسلّم أنه قال: (كل أيام التشريق ذبح).
فلا يجوز تقديم ذبح هدي التمتع والقران على يوم العيد، لأن النبي صلى الله عليه وسلّم لم يذبح قبل يوم العيد وقال: (خُذوا عني مناسككم)، وكذلك لا يجوز تأخير الذبح عن أيام التشريق لخروج ذلك عن أيام النحر. ويجوز الذبح في هذه الأيام الأربعة ليلاً ونهاراً، ولكن النهار أفضل.
وأما كيفية ذبح الهدي: فالسنة نَحرُ الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى، فإن لم يتيسر نحرها قائمةً فباركة. والسنة في غير الإبل الذبحُ مُضجعة على جنبها. والفرق بين النحر والذبح أن النحر في أسفل الرقبة مما يلي الصدر، والذبح في أعلاها مما يلي الرأس. ولا بد في النحر والذبح من إنهار الدم بقطع الودجين لقول النبي صلى الله عليه وسلّم: (ما أنهر الدم وذُكرَ اسم الله عليه فكلوا ما لم يكن سِناً أو ظُفراً) متفق عليه.
وإنهارُ الدم يكون بقطع الودَجين؛ وهما العرقان الغليظان المُحيطان بالحُلقوم، وتمام ذلك بقطع الحُلقوم والمرىء أيضاً. ولا بد من قول الذابح: «بسم الله» عند الذبح أو النحر، فلا تُؤكل الذبيحة إذا لم يذكر اسم الله عليها، لقوله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَـطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَـدِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}، ولا تُجزئ عن الهدي حينئذٍ لأنها ميتةٌ لا يحلُّ أكلها.
وأما كيفية توزيع الهدي: فقد قال الله تعالى: {فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْبَآئِسَ الْفَقِيرَ}، (وأمر النبي صلى الله عليه وسلّم في حجته من كل بدنة بقطعة فجُمعت في قدر فطبخت، فأكل من لحمها وشرب من مرقها) رواه مسلم.
فالسنة أن يأكل من هديه ويُطعم منه غيره، ولا يكفي أن يذبح الهدي ويرمي به بدون أن يتصدق منه وينتفع به، لأن هذا إضاعةٌ للمال، ولا يحصل به الإطعام الذي أمر الله به، إلا أن يكونَ الفقراء حوله فيذبحه ثم يُسلمه لهم، فحينئذ يبرأ منه.
فعلى الحاجِّ أن يعتني بهديه من جميع هذه النواحي ليكون هدياً مقبولاً مقرباً له إلى الله عز وجل، ونافعاً لعباد الله. واعلم أن إيجاب الهدي على المتمتع والقارن، أو الصيام عند العدم، ليس غُرماً على الحاج، ولا تعذيباً له بلا فائدة، وإنما هو من تمام النسك وكماله، ومن رحمة الله وإحسانه، حيث شرع لعباده ما به كمال عبادتهم وتقرُّبهم إلى ربهم، وزيادة أجرهم، ورفعةُ درجاتهم، والنفقة فيه مخلوفةٌ، والسعي فيه مشكور، فهو نعمة من الله تعالى يستحق عليها الشكر بذبح الهدي، أو القيام ببدله، ولهذا كان الدم فيه دم شُكران لا دم جبران، فيأكل منه الحاج ويهدي ويتصدق.
وكثيرٌ من الناس لا تخطُرُ ببالهم هذه الفائدة العظيمة، ولا يحسبون لها حساباً، فتجدهم يتهربون من وجوب الهدي، ويسعون لإسقاطه بكل وسيلة، حتى إن منهم من يأتي بالحج مفرداً من أجل أن لا يجب عليهم الهدي أو الصيام، فيَحرمون أنفسهم أجر التمتع وأجرَ الهدي أو بدلَه، والله المستعان.
( المصادر لما نقل عن الحج : موقع إسلام واى - موقع صيد الفوائد )